معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

6- البداء في التكوين

  • ١٣٤٩٩

البداء في التكوين

 

 

* العلم الإلهي الأزلي لا ينافي قدرته.
* موقف اليهود من قدرة الله.
* موقع البداء عند الشيعة.
* أقسام القضاء الإلهي.
* ثمرة الاعتقاد بالبداء.
* حقيقة البداء عند الشيعة.
* أحاديث أهل السنة الدالة على البداء.
* إنباء المعصومين بالحوادث المستقبلة.


ــ[383]ــ

بمناسبة الحديث عن النسخ في الأحكام وهو في أفق التشريع، وبمناسبة أن النسخ كالبداء وهو في أفق التكوين، وبمناسبة خفاء معنى البداء على كثير من علماء المسلمين، وأنهم نسبوا إلى الشيعة ما هم برآء منه، وأنهم لم يحسنوا في الفهم ولم يحسنوا في النقد، وليتهم إذ لم يعرفوا تثبتوا أو توقفوا(1) كما تفرضه الأمانة في النقل، وكما تقتضيه الحيطة في الحكم، والورع في الدين، بمناسبة كل ذلك وجب أن نذكر شيئا في توضيح معنى البداء وإن لم تكن له صلة ـ غير هذا ـ بمدخل التفسير.
تمهيد:
لا ريب في أن العالم بأجمعه تحت سلطان الله وقدرته، وأن وجود أي شيء من الممكنات منوط بمشيئة الله تعالى، فإن شاء أوجده، وإن لم يشأ لم يوجده.
ولا ريب أيضا في أن علم الله سبحانه قد تعلق بالأشياء كلها منذ الأزل، وأن الأشياء بأجمعها كان لها تعين علمي في علم الله الأزلي وهذا التعين يعبر عنه بـ "تقدير الله"تارة وبـ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر التعليقة رقم (9) للوقوف على اختلاق الفخر الرازي نسبة الجهل إلى الله على لسان الشيعة ـ في قسم التعليقات.


ــ[384]ــ

"قضائه" تارة أخرى، ولكن تقدير الله وعلمه سبحانه بالأشياء منذ الأزل لا يزاحم ولا ينافي قدرته تعالى عليها حين إيجادها، فان الممكن لا يزال منوطا بتعلق مشيئة الله بوجوده التي قد يعبر عنها بالاختيار، وقد يعبر عنها بالإرادة، فإن تعلقت المشيئة به وجد وإلا لم يوجد. والعلم الإلهي يتعلق بالأشياء على واقعها من الإناطة بالمشيئة الإلهية، لأن انكشاف الشيء لا يزيد على واقع ذلك الشيء، فإذا كان الواقع منوطا بمشيئة الله تعالى كان العلم متعلقا به على هذه الحالة، وإلا لم يكن العلم علما به على وجهه، وانكشافا له على واقعه. فمعنى تقدير الله تعالى للأشياء وقضائه بها: أن الأشياء جميعها كانت متعينة في العلم الإلهي منذ الأزل على ما هي عليه من أن وجودها معلق على أن تتعلق المشيئة بها، حسب اقتضاء المصالح والمفاسد التي تختلف باختلاف الظروف والتي يحيط بها العلم الإلهي.
موقف اليهود من قدرة الله:
وذهبت اليهود إلى أن قلم التقدير والقضاء حينما جرى على الأشياء في الأزل استحال أن تتعلق المشيئة بخلافه. ومن أجل ذلك قالوا: يد الله مغلولة عن القبض والبسط والأخذ والإعطاء، فقد جرى فيها قلم التقدير ولا يمكن فيها التغيير(1).
ومن الغريب أنهم قاتلهم الله ـ التزموا بسلب القدرة عن الله، ولم يلتزموا بسلب القدرة عن العبد، مع أن الملاك في كليهما واحد، فقد تعلق العلم الأزلي بأفعال الله تعالى، وبأفعال العبيد على حد سواء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر التعليقة رقم (10) لمعرفة بعض الأخبار الدالة على مشيئة الله تعالى ـ في قسم التعليقات.


ــ[385]ــ

موقع البداء عند الشيعة:
ثم إن البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية إنما يقع في القضاء غير المحتوم، أما المحتوم منه فلا يتخلف، ولا بد من أن تتعلق المشيئة بما تعلق به القضاء، وتوضيح ذلك أن القضاء على ثلاثة أقسام:
أقسام القضاء الالهي:
الأول: قضاء الله الذي لم يطلع عليه أحدا من خلقه، والعلم المخزون الذي استأثر به لنفسه، ولا ريب في أن البداء لا يقع في هذا القسم، بل ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن البداء إنما ينشأ من هذا العلم.
روى الشيخ الصدوق في "العيون" بإسناده، عن الحسن بن محمد النوفلي أن الرضا (عليه السلام) قال لسليمان المروزي:
"رويت عن أبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: إن لله عز وجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلما علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه..."(1).
وروى الشيخ محمد بن الحسن الصفار في "بصائر الدرجات" بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"إن لله علمين: علم مكنون محزون لا يعلمه إلا هو، من ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 159، باب 13 في ذكر مجلس الرضا مع سليمان المروزي، راجع البحار: 954، با ب 3، الحديث: 2.


ــ[386]ــ

يكون البداء وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه، ونحن نعلمه"(1).
الثاني: قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بأنه سيقع حتما، ولا ريب في أن هذا القسم أيضا لا يقع فيه البداء، وإن افترق عن القسم الأول، بأن البداء لا ينشأ منه.
قال الرضا (عليه السلام) لسليمان المروزي - في الرواية المتقدمة عن الصدوق -: 
"إن عليا (عليه السلام) كان يقول: العلم علمان، فعلم علمه الله ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فانه يكون، ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده محزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء"(2).
وروى العياشي عن الفضيل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: "من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، لم يطلع على ذلك أحدا ـ يعني الموقوفة ـ فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه، ولا نبيه، ولا ملائكته"(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بصائر الدرجات: 2 / 109، باب 21 الحديث: 2، ورواه الشيخ الكليني عن أبي بصير أيضا، راجع الكافي: 1 / 147، الحديث: 8. وبحار الأنوار: 4 / 109، باب 3، رقم الحديث: 27.
(2) عيون أخبار الرضا: باب 13 ورواه الشيخ الكليني عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام)، الكافي: 1 / 147، رقم الحديث:6.
(3) راجع الكافي: 1 / 147، الحديث: 7.


ــ[387]ــ

الثالث: قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بوقوعه في الخارج إلا أنه موقوف على أن لا تتعلق مشيئة الله بخلافه. وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء: 
{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب 13: 39. لله الأمر من قبل ومن بعد}(29: 4).
وقد دلت على ذلك روايات كثيرة منها هذه:
1 ـ ما في "تفسير علي بن إبراهيم" عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة، فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يؤخره، أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء، ثم أثبت الذي أراده. قلت: وكل شيء هو عند الله مثبت في كتاب؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء يكون بعده؟ قال: سبحان الله، ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك وتعالى"(1).
2 ـ ما في تفسيره أيضا، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبي الحسن (عليهم السلام) في تفسير قوله تعالى:
{فيها يفرق كل أمر حكيم}(44: 4).
"أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل، وما يكون في تلك السنة، وله فيه البداء والمشيئة. يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقلا عن البحار: راجع البحار: 4 / 99، باب 3، رقم الحديث: 9، و97 / 12، باب 53، الحديث: 18.


ــ[388]ــ

الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء.." (1).
3 ـ ما في كتاب "الاحتجاج" عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن قال:
"لولا آية في كتاب الله، لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: يمحو الله..."(2).
وروى الصدوق في الأمالي والتوحيد بإسناده عن الأصبغ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) مثله.
4 ـ ما في "تفسير العياشي" عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
"كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة. فقلت: أية آية؟ قال: قول الله: يمحو الله..." (3).
5 ـ ما في "قرب الإسناد" عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام) قال: 
قال أبوعبدالله، وأبو جعفر، وعلي بن الحسين، والحسين بن علي، والحسن بن علي، وعلي بن أبي طالب(عليهم السلام): "لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة: يمحو الله..."(4).
إلى غير ذلك من الروايات الدالة على وقوع البداء في القضاء الموقوف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر ص 134.
(2) الاحتجاج للطبرسى: ص 137 المطبعة المرتضوية ـ النجف الأشرف.
(3) تفسير العياشي: 2/ 215 الحديث: 59. راجع بحار الأنوار: 4 / 118، باب 3، رقم الحديث 52.
(4) قرب الاسناد: ص 353، رقم الحديث: 1266. نفس المصدر ص 97، باب 3، الحديث: 5.


ــ[389]ــ

وخلاصة القول: ان القضاء الحتمي المعبر عنه باللوح المحفوظ، وبأم الكتاب، والعلم المخزون عند الله يستحيل أن يقع فيه البداء. وكيف يتصور فيه البداء؟ وأن الله سبحانه عالم بجميع الأشياء منذ الأزل، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
روى الصدوق في "إكمال الدين" بإسناده، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه"(1).
وروى العياشي، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: 
"إن الله يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب، وقال: فكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه، وليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه، إن الله لا يبدو له من جهل"(2).
وروى أيضا عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام): 
"سئل عن قول الله: يمحو الله... قال: إن ذلك الكتاب كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت، فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء، وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء، حتى إذا صار إلى أم الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا"(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال الدين: ص 70.
(2) تفسير العياشي: 2 / 218، الحديث: 71.
(3) نفس المصدر: 2 / 220، الحديث 74.


ــ[390]ــ

وروى الشيخ الطوسي في "كتاب الغيبة" بإسناده عن البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال علي بن الحسين، وعلي بن أبي طالب قبله، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام):
"كيف لنا بالحديث مع هذه الآية {يمحو الله...} فأما من قال بأن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد"(1).
والروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الله لم يزل عالما قبل أن يخلق الخلق(2)، فهي فوق حد الإحصاء، وقد اتفقت على ذلك كلمة الشيعة الإمامية طبقا لكتاب الله وسنة رسوله، جريا على ما يقتضيه حكم العقل الفطري الصحيح.
ثمرة الاعتقاد بالبداء:
والبداء: إنما يكون في القضاء الموقوف المعبر عنه بلوح المحو والإثبات، والالتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه وليس في هذا الالتزام ما ينافي عظمته وجلاله.
فالقول بالبداء: هو الاعتراف الصريح بأن العالم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه، وإن إرادة الله نافذة في الأشياء أزلا وأبدا، بل وفي القول بالبداء يتضح الفارق بين العلم الإلهي وبين علم المخلوقين، فعلم المخلوقين - وإن كانوا أنبياء أو أوصياء - لا يحيط بما أحاط به علمه تعالى، فان بعضا منهم إن كان عالما - بتعليم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الغيبة: ص 430، الحديث: 240. وروى الشيخ الكليني بإسناده عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له" الكافي: 1 / 148، الحديث: 9.
(2) الكافي: 1 / 108، الحديث: 6 و 1 / 148، الحديث: 11. و...


ــ[391]ــ

الله إياه - بجميع عوالم الممكنات لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي استأثر به لنفسه، فإنه لا يعلم بمشيئة الله تعالى - لوجود شيء - أو عدم مشيئته إلا حيت يخبره الله تعالى به على نحو الحتم.
والقول بالبداء: يوجب انقطاع العبد إلى الله وطلبه إجابة دعائه منه وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وإبعاده عن المعصية، فإن إنكار البداء والالتزام بأن ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة - دون استثناء - يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه، فإن ما يطلبه العبد من ربه إن كان قد جرى قلم التقدير بإنفاذه فهو كائن لا محالة، ولا حاجة إلى الدعاء والتوسل، وإن كان قد جرى القلم بخلافه لم يقع أبدا، ولم ينفعه الدعاء ولا التضرع، وإذا يئس العبد من إجابة دعائه ترك التضرع لخالقه، حيث لا فائدة في ذلك، وكذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي ورد عن المعصومين (عليهم السلام) أنها تزيد في العمر أو في الرزق أو غير ذلك مما يطلبه العبد.
وهذا هو سر ما ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) من الاهتمام بشأن البداء.
فقد روى الصدوق في كتاب "التوحيد" بإسناده، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال:
"ما عبد الله عزوجل بشيء مثل [افضل من] البداء"(1).
وروى باسناده، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"ما عظم الله عز وجل بمثل البداء"(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و (2) التوحيد: ص 331 ـ 333 باب 54، البداء، الحديث 1 و 2. راجع الكافي: 1 / 146، الحديث 1.


ــ[392]ــ

وروى باسناده، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"ما بعث الله عزوجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودية وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء"(1).
والسر في هذا الاهتمام: أن إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على أن يغير ما جرى عليه قلم التقدير. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فإن كلا القولين يؤيس العبد من إجابة دعائه، وذلك يوجب عدم توجهه في طلباته إلى ربه.
حقيقة البداء عند الشيعة:
وعلى الجملة: فان البداء بالمعنى الذي تقول به الشيعة الإمامية هو من الإبداء الاظهار حقيقة، وإطلاق لفظ البداء عليه مبني على التنزيل والإطلاق بعلاقة المشاكلة. وقد اطلق بهذا المعنى في بعض الروايات من طرق أهل السنة.
روى البخاري بإسناده عن أبي عمرة، أن أبا هريرة حدثه أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
"إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأعمى وأقرع، بدا لله عزوجل أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص..."(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوحيد: 333، الحديث: 3. راجع الكافي: 1 / 147، الحديث: 3.
(2) صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، رقم الحديث 3205 وصحيح مسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم الحديث: 5265.


ــ[393]ــ

وقد وقع نظير ذلك في كثير من الاستعمالات القرآنية، كقوله تعالى:
{الآن علم الله أن فيكم ضعفا}(8: 66).
وقوله تعالى:
{لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}(12:8).
وقوله تعالى:
{لنبلوهم أيهم أحسن عملا}(8 : 7).
وما أكثر الروايات من طرق أهل السنة في أن الصدقة والدعاء يغيران القضاء(1).
أما ما وقع في كلمات المعصومين (عليهم السلام) من الإنباء بالحوادث المستقبلة فتحقيق الحال فيها: أن المعصوم متى ما أخبر بوقوع أمر مستقبل على سبيل الحتم والجزم ودون تعليق، فذلك يدل أن ما أخبر به مما جرى به القضاء المحتوم وهذا هو القسم الثاني "الحتمي" من أقسام القضاء المتقدمة. وقد علمت أن مثله ليس موضعا للبداء، فإن الله لا يكذب نفسه ولا نبيه. ومتى ما أخبر المعصوم بشيء معلقا على أن لا تتعلق المشيئة الإلهية بخلافه، ونصب قرينة متصلة أو منفصلة على ذلك فهذا الخبر إنما يدل على جريان القضاء الموقوف الذي هو موضع البداء. والخبر الذي أخبر به المعصوم صادق وإن جرى فيه البداء، وتعلقت المشيئة الإلهية بخلافه. فإن الخبر – كما عرفت - منوط بأن لا تخالفه المشيئة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر التعليقة رقم (11) للوقوف على روايات تفيد أن الدعاء يغير القضاء ـ في قسم التعليقات.


ــ[394]ــ

وروى العياشي، عن عمرو بن الحمق قال:
"دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ضرب على قرنه، فقال لي: يا عمرو إني مفارقكم، ثم قال: سنة السبعين فيها بلاء... فقلت: بأبي أنت وأمي قلت: إلى السبعين بلاء، فهل بعد السبعين رخاء؟ قال: نعم يا عمرو إن بعد البلاء رخاء.." وذكر آية {يمحو الله…}" (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير العياشي: 2 / 217، رقم الحديث: 68.